الاثنين، 24 نوفمبر 2014

حكاية مملوك اسمه قنصوة الغورى


' الغوري' حكاية مملوك دافع عن مصر فهزم في سوريا





لم يكن ذلك المملوك الصغير في بلاط السلطان قايتباي، يتوقع في يوم من الأيام أن يتولى فيه حكم سلطنة مصر رغم أنفه، ولم يكن يتخيل أن نهاية دولة المماليك ستكون على يديه. إنه السلطان “قانصوه الغوري” المشهود له بنهوضه بالمعمار المصري، الذي كتب له صفحة خالدة في مجال العمارة الإسلامية.

السلطان الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري، تركي المولد والجنسية، وهو السلطان الـ24 من سلاطين المماليك الشراكسة، وكان يبلغ حوالي 60 عاما عندما تولى منصب السلطنة.

وقد كان الغوري مملوكاً للسلطان “قايتباي” الذي أعجب بذكائه وشجاعته، وعينه في جملة مماليكه “الجمدارية” (والجمدار هو من يتولى إلباس السلطان)، ثم أصبح “خاصكيا” وكان صاحب هذه الوظيفة من جملة حاشية السلطان، وكانوا يمتازون بحسن المظهر وأناقة الملبس ومُصرّح لهم بالدخول على السلطان دون إذن، وأصبح الغوري “كاشفا” للوجه القبلي، فأميرا للعشيرة، وبدأ نجمه يتصاعد وصار من الأمراء الذين بيدهم الحل والعقد، كما خرج في بعض الحملات العسكرية إلى حلب، وعيّن بعد ذلك نائبا للسلطان في طرسوس وحاجبا للحجاب في حلب ونقل إلى نيابة ملطية.

وفي عهد الناصر محمد بن قايتباي تدرج الغوري في المناصب العسكرية، حتى وصل إلى منصب “رأس نوبة” وكانت مهمة من يتولى هذه الوظيفة الحكم على المماليك، والضرب على أيديهم عندما يخرجون عن القانون.

وفي عهد السلطان “الأشرف جانبلاط” سافر إلى الشام صحبة الأمير طومان باي لمحاربة “قصروه” نائب الشام الذي أعلن العصيان، إلا أن طومان باي ومن معه من قادة الجيش ومعهم الأمير “قانصوه الغوري” اتفقوا على الغدر بالسلطان “الأشرف جانبلاط”، فأعلن طومان باي نفسه سلطانا على بلاد الشام، ولقب نفسه بالعادل، وزحف بمن معه إلى مصر فدافع “جانبلاط” عن نفسه، غير أن طومان وجنوده تمكنوا من القبض عليه وشنقه سنة 906هـ، وبذلك تم للسلطان العادل حكم مصر فأسند “الأتابكية” إلى الأمير “قصروه” كما أسند “الدودارية” الكبرى و”الإسنادارية” إلى الأمير “قانصوه الغوري”.

1499 اكتشف فاسكو دي غاما رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، ليعوض بذلك طريق الحرير نحو الهند

وفي بداية شهر شوال 906هـ، اجتمع بعض أمراء المماليك لاختيار سلطان جديد، بدلا من العادل “طومان باي” الذي أخذ يسفك الدماء بعد توليه السلطنة، واستقر الرأي على اختيار الأمير “قانصوه الغوري”، إلا أنه رفض لأن حالة البلاد كانت غير مستقرة، كما أن الأمراء كانوا متذبذبين في مواقفهم، كما كانت خزانة الدولة خاوية واقتصادها كان طريقه إلى الانهيار، ورغم كل ذلك أصر الأمراء على سلطنة الغوري فقبل السلطنة، إلا أنه اشترط عليهم عدم قتل “طومان باي”، إذا أرادوا أن يخلعوه وعليهم أن يبلغوه بقرارهم وأن يوافقهم فيه.

ويقول أستاذ الآثار الإسلامية مختار الكسباني إنه وبعد جلوس “قانصوه الغوري” على عرش السلطنة عمل على توطيد أركان حكمه وإعادة النظام والأمن إلى القاهرة، فقام بوضع السلطة في يد أشخاص يثق فيهم ويطمئن لإخلاصهم، كما بدأ منذ اللحظة الأولى بملء خزانة الدولة الخاوية، وفرض الضرائب والإتاوات على جميع طبقات الشعب، وكانت نسبتها تبلغ ما يساوي دخل “سبعة أشهر أو عشرة”، كما قام بتخفيض قيمة العملة، مما أضر بالتجار ولكنه ملأ خزانة الدولة.

1877 أطلق العالم الجغرافي الألماني "فون ريختهوفن" لأول مرة اسم "طريق الحرير" على المسافة الفاصلة بين غرب آسيا والصين إلى حدود أوروبا

ويوضح الكسباني أن البلاد تعرضت أثناء حكم “قانصوه الغوري” لبعض الاضطرابات التي قام بها المماليك والبدو والتي واجهها بقوة، إلا أن الاضطرابات الخارجية كانت أقوى ومثلت تهديدا صريحا للبلاد، ومن أهم هذه المخاطر ظهور منافس لمصر هدد الطريق التجاري إلى الهند (والذي كان يدر لمصر دخلا كبيرا) وذلك بعد أن اكتشف “فاسكو دي جاما” طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م، مما ترتب عليه اتخاذ البرتغاليين مدينة “كلكتا” قاعدة لهم سنة 1500م، وبذلك تحولت التجارة التي كانت تذهب لمصر عن طريق عدن وجده وسواكن إلى رأس الرجاء الصالح، ومنها إلى أوروبا، كما هاجم البرتغاليون سفن مصر التجارية، واستنجد ملك الهند وباقي أمراء جنوب شبه الجزيرة العربية بالغوري، الذي قام ببناء أسطول بحري ومواجهة البرتغاليين وهزيمتهم، وقتل قائد أسطولهم “لورنزو الألميدي”.

وفي العام التالي انتقم البرتغاليون لهزيمتهم من الأسطول المصري انتقاما مروعا، ففي عام 1513م استولى القائد البرتغالي “الفونسو البوكرك” على “عدن” مما ترتب عليه فقدان مصر لسيطرتها على التجارة الهندية، وكان ذلك بمثابة بداية لأفول نجم الدولة المملوكة.

لم يتوقف الخطر الذي يهدد دولة قانصوه في مصر على المعارك البحرية مع البرتغاليين فقط، بل كان للعثمانيين وبروزهم المتزايد في المنطقة نصيب كبير في فترة دلوة قانصوه، خاصة بعد تولي سليم الأول سلطنة الدولة العثمانية سنة 1512م بعد أبيه “بايزيد الثاني”.

وكان قد انضم إلى سليم الأول الكثير من البدو والسوريين، فدخل دمشق وتقدم إلى حلب، والتقى الجيشان في منطقة “مرج دابق” شمال حلب. إلا أن الجيش المصري هزم بسبب خيانة “خيربك” الذي تمكن سليم من ضمه إليه ومعه الجناح الأيسر للجيش المصري وإشاعة خبر وفاة “الغوري” مما أدى إلى فرار باقي الجيش من الميدان ولم يُعثر للغوري على أثر بعد المعركة.

1492 انتقل داء الطاعون إلى مصر ليودي بحياة آلاف الأشخاص ما زاد من مشاكل مصر ودمر قوة الدولة من الداخل

ويوضح عبدالرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للآثار المصرية، أن معركة “مرج دابق” كانت معركة فاصلة بالنسبة إلى مصر، لأنها وضعت نهاية الحكم “قانصوه الغوري”، وقضت على سلطنته، كما قتل فيها عدد كبير من أمراء الدولة وجنودها، ومن ثمة كانت ضربة قاضية أتت على حكم المماليك لمصر.

ويؤكد الريحاني أنه ومن سوء حظ الغوري أن تجمعت في فترة حكمه مفاسد ومساوئ العصر المملوكي التي ترسبت على مدى عشرات السنين، فكانت أسباب الضعف والتدهور والانحلال، من إغراق في اللهو والترف وتدبير للفتن والمؤامرات ورغبة في تحقيق الأطماع غير المشروعة، مما ترتب عنه تفاقم الاشكالات الاقتصادية وعجز السلطان عن سداد متطلبات المماليك، مما أدى إلى تذمرهم وتهديدهم بالعصيان والفتنة وزادت وطأتهم على الناس وكثر نهبهم للأموال، وبالتالي عانى الناس الأمرين من الغوري وأمرائه، خاصة بعد أن ضاعف الرسوم الجمركية وتلاعب بالعملة حتى يستفيد من فروقها، الأمر الذي أضر بالمواطنين وبصفة خاصة التجار، فسقط حكمه سريعا.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق