الجمعة، 6 فبراير 2015

الغورية حى العبق والتاريخ كتب: محسن هاشم عبدالله

• يعد حي الغورية أحد أشهر الأحياء المصرية القديمة التي أسسها السلطان قنصوه الغوري، آخر سلاطين المماليك، قبل خمسة قرون وتحديداً في عام 1501م، ويعتبر من الأحياء ذات الصبغة الإسلامية؛ حيث يضم بين جنباته العديد من الآثار الإسلامية من العصر المملوكي، وقد سميت الغورية بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها السلطان الغوري، ويقع حي الغورية في منطقة الأزهر، وهو الحي الوحيد من بين أحياء القاهرة القديمة الذي استطاع المحافظة على تراثه وهويته من العصر المملوكي وحتى الآن، كما يغلب على الحي الطابع الشعبي في أعمال البيع والشراء والتجارة، لذلك هو مقصد لمن يريد شراء سلع ترتبط بتجهيز العرائس والمنسوجات. كما أنه مقصد للسياح الذين يعشقون المشغولات اليدوية.


• ويضم حي الغورية العديد من الحارات الشهيرة، مثل حارة «العقادين» وحارة «الفحامين» و«التربيعة» التي تعرض المنسوجات والعطور والحُلي والأعشاب والأنتيكات. وقد انتعشت الحالة الاقتصادية في عهد السلطان قنصوه الغوري؛ نتيجة لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح على يد البرتغاليين؛ وقد تصدى السلطان الغوري لهم وهزمهم في موقعة «دير البحرية» عام 1508 م بالقرب من سواحل الهند، حيث إنه لم يمكث بعدها سوى ثماني سنوات، حيث قتل في موقعة «مرج دابق» شمال مدينة حلب في صراعه مع السلطان سليم الأول العثماني عام 1516 إثر خيانة قائد ميمنة جيشه «خاير بك».

• شواهد أثرية





• ورغم عشق السلطان الغوري للفن والأدب والشعر والطرب والسمر، اتسع عشقه ليشمل فنون العمارة المختلفة وجمالياتها، فهناك المدرسة المعلقة التي تقع عند تقاطع شارع الغورية مع شارع الأزهر وأسسها عام 1503 م، حيث تدرس فيها المذاهب الفقهية الأربعة، ويوجد بها صحن واسع تقام فيه الصلوات، ويوجد أسفل المدرسة حوانيت تم تأجيرها بغرض الإنفاق على الأثر، وهناك مسجد: «الفكهاني» الذي أسسه الخليفة الفاطمي «الظافر» عام 594 هجرية، وقد عرف بهذا الاسم نسبة إلى «الخربوطلي» باشا نسبة لوقوعه في سوق الفاكهة إبان العصر المملوكي.

• كما يوجد في مواجهة المدرسة قاعة للاجتماعات وسبيل يعلوه كُتاب لتحفيظ القرآن، بالإضافة إلى ضريح أعده السلطان الغوري لنفسه، غير أنه دفن في الشام عقب هزيمته في موقعة مرج دابق الشهيرة.

• وكالة الغوري

• وكالة الغوري واحدة من المنشآت المعمارية المهمة التي شيّدها السلطان الغوري؛ لاستقبال الوفود التجارية المختلفة، حيث تتكون من ثلاثة طوابق، الأول والثالث منها للسكن، والأوسط مخصص للخدمات والمرافق بغرض عرض وتبادل السلع التي يجلبها التجار معهم، إلا أنه تمت زيادة عدد أدوار الوكالة لأربعة أدوار بنظام القصور القديمة حتى وصل عددها لـ 500 مجهزة للإقامة نظراً لزيادة أعداد التجار الوافدين، وهو ما يعكس انفتاحه على العالم الخارجي والرغبة الشديدة في التبادل التجاري والثقافي والسياحي.

• وقد حظيت الوكالة باهتمام العديد من الشخصيات البارزة فيما بعد، فقد اتخذها «محمد علي» وأسرته مقراً لهم. وفي عام 1958م قدم د. ثروت عكاشة - وزير الثقافة وقتها - مشروعاً ثقافياً وحضارياً لاستغلال الوكالة كمقر لإحياء الحرف التقليدية ومرسم للفنانين والكتاب والأثريين ومقر لوزارة الثقافة والإعلام عام 1960م، حتى تقرر تحويلها لمركز الحرفيين المهرة ونشر الوعي الثقافي والسياحي بين العارضين والسياح وعامة الجمهور من خلال معارض الحرفيين التي عرض فيها الأواني النحاسية وصناعة الخيام والخزف والزجاج المعشق والصدف داخل مصر وخارجها. ورغم نجاح تلك المعارض، فإنها توقفت فجأة، ما أدى لهجرة الحرفيين للعمل بالوكالة والورش نتيجة إغراء تجار خان الخليلي لهم بالمادة، وترك المبنى مهجوراً لفترة طويلة مقصداً لكل عابر وطامع من السبعينات وحتى أوائل التسعينات من القرن الماضي؛ بسبب التغير في التوجهات الثقافية.

• ومع إنشاء الإدارة العامة للمراكز الفنية وتبنيها للمشروع الثقافي والحضاري المتكامل للنهوض بالحرف التقليدية، دبت الحياة مرة أخرى في الوكالة، وقد عاش الفنانون التشكيليون والحرفيون أربعين عاماً في خدمة الفن والإبداع مثل النقش على آنية النحاس المطعمة بالفضة والصواني والصناديق الخشبية المطعمة بالصدف والنقش على الزجاج المعشق بالحصى وعلى قطع الأثاث العربي وزخارف الخيام ومشغولات الحلي الفضية والأزياء التقليدية المطرزة والأواني الخزفية وذلك على عدد عشرة أقسام، إلا أن دوام الحال من المحال، فقد قررت اللجنة العليا لتطوير القاهرة الفاطمية إخلاء المبنى؛ خاصة بعد ضغوط من الأثريين لإخراجهم من المبنى حفاظاً عليه.

• وقد أطلق اسم «قصر ثقافة الغوري» حديثاً على مجموعة الغوري كمسرح لتقديم الفنون التراثية، منها مسرح «مقعد الغوري» بقاعة المسامرة، حيث تقدم فرقة «التنورة» الشهيرة فقراتها أسبوعياً التي تجسد الفن الشعبي الذي ينتمي للغورية التي تمثل هويتهم وتراثهم الشعبي الأصيل، وقد قدمت الفرقة فنونها وعرضتها في معظم دول العالم، حيث شاركت في العديد من المهرجانات، سواء كانت عالمية أو عربية.

• يقول د.علي الشريف أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر: «إن منطقة الغورية إحدى المناطق التي تشهد على عبق التاريخ المصري القديم، كونها إحدى مناطق استكشاف الأعاجيب المعمارية في كل زاوية وكل شارع، فهناك الفاطمي والمملوكي والعثماني، ويمكن القول إن القاهرة الإسلامية ليست سوى نصف الجمال المعماري القديم، حيث يزاحمها بعض المعالم اليهودية والمسيحية، ويؤكد أن التنقل بين شوارع الغورية يضم أكثر من متاهة داخل حارات الغورية، وحوالي 30 مسجداً، والآثار هناك تمتد إلى أكثر من 800 عام، من البوابة الشمالية من باب الفتوح إلى باب زويلة».

• ويضيف د. سيد عشماوي أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة: «إن منطقة الغورية مكان متميز للتسوق بين جميع الطبقات المصرية، حتى السياح يذهبون إلى شراء العبايات المصرية، والعطور الرائعة، والتماثيل الإسلامية القديمة، بالإضافة إلى أن الغورية يوجد بها عشرة حمامات إسلامية قديمة للاستجمام ما زالت قيد الاستخدام عند السياح وبعض السكان المحليين، ويشير إلى أن منطقة الغورية مليئة بالمحال التجارية، والباعة الواقفين بعربات الدفع اليدوية في الشارع، ومع ذلك، عليك أن تساوم للحصول على أغراضك بأسعار قليلة، ويوضح أن الغورية تقف شامخة عند تقاطع شارع المعز وشارع الأزهر، حيث بناها السلطان قنصوه الغوري عام 1505، وحتى الآن لا تزال تستضيف المنطقة الأحداث الفنية والثقافية والموروثات الشعبية، وعند عبور شارع الأزهر عن طريق جسر للمشاة، يمكن للسائح استكشاف متاجر العطور والملابس والتوابل في المنطقة، وهناك سيجد مجموعة لا نهاية لها من التوابل الملونة والأعشاب المستخدمة في كل شيء».

• بينما يؤكد د. عبد المنعم سيد، أستاذ التاريخ القديم والآثار بجامعة الإسكندرية، أن منطقة القاهرة القديمة بمثابة القلب النابض للقاهرة، لما تحويه من أماكن تاريخية، مثل شارع الموسكي، وحارة اليهود، حتى أن منطقة الغورية التي تضم شارع «بين القصرين»، كان يجلس فيها الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ الذي كتب ثلاثيته الشهيرة، «قصر الشوق، والسكرية، وبين القصرين»، كما أنها تضم الكثير من الوكالات، أبرزها وكالة الغوري، ويضيف أن المنطقة تمتلئ بالشوارع ذات رائحة الماضي، وهناك يمكن رؤية المسجد الكبير للسلطان برقوق الذي بناه عام 1386م، وعلى اليمين سترى المسجد الفاطمي الذي بني في 1125م، كما تعد منطقة الغورية مكاناً رائعاً وسوقاً متميزاً للمنتجات المعدنية والمقاهي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق