الجمعة، 6 فبراير 2015

الاحياءء الشعبىة كنز ثرى ومتنوع كتب: محسن هاشم عبدالله

إن الأحياء الشعبية هي كنز سردي كبير ، ثري ومدهش ، ومتنوع إلأى درجة عبقرية بتنوع أنماط الناس ، وشخصياتهم ، ومناطقهم ، ومن يجلس يوميا على مقهى في حي شعبي في أحياء القاهرة الفقيرة، ويراقب حركة الحياة في الشوارع الشعبية يستطيع أن يكتب كل يوم رواية ، من أحاديث الناس ، وتعدد شخصياتهم ، وتعدد مناطقهم وأصولهم، ومن النكات الساخرة ، والحكايات، والأمثال ، ومن تعدد ملابس الناس وأزيائهم الدالة على شخصياتهم ومهنهم أحيانا .


في الأحياء الشعبية تجد أن الباعة الجائلين يغنون لأشيائهم التي يبيعونها خاصة الخضروات ، وتجد أن ساكني الأحياء الشعبية يتعاملون مع أدوات الحياة بمسميات مختلفة ، ولكل مهنة مسمياتها وأدواتها ، وأيضا لها رموزها ، وأدوات النجار المعروفة لها مسميات أخرى ، كذلك أدوات الكهربائي أو الترزي أو السباك .. إلخ المهن ، ولكل أداة أغان وأمثال وحكم وحكايات ، فضلا عن ذلك تجد جميع مستويات اللغة حاضرة في وقت متزامن ، وجميع أنواع الغناء جنبا إلى جنب مع آيات الذكر الحكيم والتواشيح الغنائية والنداءات والعبارات المتجددة يوميا ، كما تجد أن لكل أداة معينة مسميات كثيرة غير المسمى المعروف بها ، فالجنيه المصري مثلا لأنه يتم إنفاقه بسرعة ، يطلق عليه مسمى : ( ملطوش، أو أهيف أو لحلوح) حتى إن أسماء الناس نفسها لها ألقاب مثلا ( مصطفى: درش) ، ( حسن : أبو علي) ، ( محمد : حمادة) ( إبراهيم : أبو خليل) ، ( يوسف : أبو حجاج) ( محمود: حنفي) ( عبدالله، عبدالعزيز، عبدالرحمن ... إلخ : عبده) ( فاطمة : بطة) ( عزيزة: وزة) ( زينب : زيزي) .. وطبعا هناك ألقاب لكل مهنة ، ولكل وظيفة دنيا أو عليا تطال حتى النظام ، ومن كثرة الحركة والاحتكاك الشديد بين الناس في معاملاتهم اليومية فإن اللغة اليومية تشهد تطورا ذا إيقاع سريع جدا ، حتى إن فئة الشباب لها اليوم لغة خاصة جدا بها ، وقد أصدر أحد الشباب في القاهرة معجما خاصا بها ، ومنها مثلا – وأنا اليوم من جيل يعد قديما جدا لا أستطيع أن أجاري هذا الإيقاع - : شباب روش طحن ، أو حين توصف فتاة بأنها غير جميلة يقال :" دايس عليها القطار" !! كذلك نجد في الأفلام المصرية الجديدة بعض لمحات من هذه الأحياء الشعبية، وإن كان معظم هذه الأفلام على درجة كبيرة من السطحية وعدم تعمق الحياة الشعبية المصرية إلا في بعض أفلام الفنان أحمد زكي وبعض أفلام نور الشريف ومحمود عبدالعزيز .

ما أريد قوله – وقد استطردت كثيرا من باب الدعابة – أن الاحياء الشعبية في مصر خاصة في القاهرة والإسكندرية هي كنز سردي كبير جدا ، إذا تمشى المرء في شوارعها أو جلس في مقاهيها أو حتى أقام بها فترة من الزمن سيخرج بعشرات الروايات المبدعة .. طبعا حي الحسين ( وبه مقهى الفيشاوي) اليوم هو حي سياحي فلا تنطبق عليه هذه الأمور . وما قدمه نجيب محفوظ كان اكتشافا لهذا الكنز ، لكنها كانت أحياء العشرينيات والثلاثينيات في القرن العشرين .. واليوم هي متجددة ومكنوزة بآلاف التجارب والحكايات والأمثولة الإنسانية الكبيرة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق